من الخيار الواحد الى الخيارات المتعددة

نشر بتاريخ: 02 كانون الأول 2012

 

بقلم هاني سميرات
 
اتشحت القضية الفلسطينية عبر العقود الستة الماضية العديد من الأدوات النضالية التي  حملت في غالبيتها  مضمون الحرية والتحرير ولقد لعبت الظروف السياسية والضغوطات الدولية التي شهدتها القضية ، دوراً مزدوجاً في تطور الأدوات النضالية ، فهي بجديتها وحدتها وخطورتها، سلبت نماذج النضال الوطني القديمة، طاقتها وحماستها ، هذه الوسائل النضالية الجديده فرضت على الاحزاب السياسية ، من تبني وسائل وصفت " الخيارات المتوحدة  او الخيارات الإستراتيجية " كما عبر عنها الكثير من الرموز الوطنية والدينية مثل خيار "المقاومة المسلحة" ، او "خيار المفاوضات أو حتى خيار "المقاومة السلمية "
وكان من الطبيعي أن تعاني هذه الوسائل من مشكلة الفراغ النضالي ، خصوصا في مرحلة ضعف أو إنهيار الخيارات النضالية مثل توقف أو تعثر  عملية التفاوض ، أو حصار لمصادر التسلح للمقاومة الفلسطينية ، أو ضعف وخمول لخيار المقاومة السلمية وانحصارها في مناطق معينة .ولعل المكتبة الفلسطينية ثرية بالقراءات النقدية للأدوات النضالية وتحاول الأحزاب السياسية أن تدافع عن أدواتها النضالية وأن تجرم الأدوات الأخرى، ولقد كانت الأحزاب الوطنية من خلال توقها إلى الإستقرار ونزوعها إلى انهاء الإحتلال ، محكومة بأحداث لا تجد لنفسها دوراً شموليا أو دورا تبادليا فيها مثل :هل تستطيع قوى النضال العلماني واليساري من العودة إلى الخيار المسلح  في ظل المعطيات الحالية؟ ،أوهل يمكن للقوى الإسلامية أن تنحى باتجاه التفاوض وقبول فتح قنوات مباشرة وجريئة مع اسرائيل في الوقت الحالي؟ .
وكان من الواضح أن الإجابة على هذه الأسئلة لم يكن بالأمر السهل ، الأمر الذي أدى إلى القلق وعدم الاستقرار وارتباك صورة المستقبل على قدرة هذه الأدوات النضالية  من تحقيق أهداف البرنامج الوطني .
والصورة النمطية السائدة عند المجتمع الفلسطيني أن معظم هذه الأدوات لم تنجز الأهداف المرجوة ، إذ أن إستخدام المقاومة المسلحة في ظل عدم توازن القوة ما بين المقاومة وإسرائيل من شأنه أن يكبد القضية الفلسطينية خسائر  بشرية ومادية كثيرة ، أو أن المفاوضات أثبتت أن العقلية الإسرائيلية هي عقليه حرب وليست عقلية سلم ، أو أن خيار المقاومة السلمية هو خيار استسلامي لم يحقق  هذا الخيار حتى اللحظة اي نتائج أو آثار يمكن التغني بها ، أو أن هيئة الأمم المتحدة هي هيئة شكلية لم تحرك ساكنا ضد ممارسات الإحتلال الإسرائيلي ، أو أن المجتمع الدولي مجتمع ظالم يساند إسرائيل ، وفي ظل هذه الصورة النمطية لا بد من تشكيل صورة تجعل الكل جزءا من النضال الوطني الفلسطيني ، بحيث يتم إعطاء فرصة لكافة الخيارات بأن تظهر و تعمل معا دون رفض أو قبول أو تحييد أي وسيلة مشروعة ، علينا أن ندرك تماما أن شمولية العمل الوطني يتطلب إشراك الجميع في برنامج التحرر ، علينا أن نفتح كل الخيارات دون استثناء من  مقاومة مسلحة ، مقاومة شعبية ، مقاومة سلمية ، مفاوضات ، وساطة ، حوار مباشر ، حرب دبوماسية ، دعوة وسطاء أجانب وعرب ، مقاطعة شاملة لكل منتجات الإحتلال ، تشكيل ائئتلافات لمناهضة الإحتلال في الخارج ، فضح ممارسات الإحتلال في الإعلام المحلي والعربي والدولي ، إعادة الهيبة للعمل الوطني في القدس وفي الداخل الفلسطيني ، تطوير وسائل النضال داخل السجون الاسرائيلية ، العصيان المدني ،استهداف الاسرائيليين من الداخل ببرامج توعية  والتأثير عليهم وتشكيل تجمعات مناصرة للقضية الفلسطينية ،  التأثير على الجنود عبر تشجيع المؤسسات الدولية العامله في حقل " الهاربين من التجنيد  الإجباري "واستخدامهم في المحافل الدولية لكشف حقيقه وبشاعة الإحتلال الإسرائيلي ، تطوير الأدوات الإعلامية الحديثة  لخدمة البرنامج الوطني ، وغيرها من الوسائل الكثيرة والعديدة
 إن الصورة النضالية  الشاملة التي يمكن ان تجلب  نتائج قوية  هي تلك الصورة التي تجمع الشباب والنساء والعجائزفي رقصة نضالية واحدة  ، هي تلك الصورة التي يدرك فيها كل مواطن أنه جزء من التحرر ، وأنه جزء من منظومة العمل الوطني ، وان النضال لا يعني بالضرورة  فقط حمل السلاح ،أو المفاوضات
إن فتح هذه الخيارات وإستخدام هذه الأدوات النضالية بشكل منظم من شأنه أن يربك الإحتلال ، ويستنزف مصادره البشرية والمادية ، وأن يجعله حائرا وغارقا في الدفاع عن الجبهات الداخلية والخارجية ، وسيقوض من الإستخدام المفرط لأدواته العسكرية .   
هذا  الأسلوب من شأنه  أن يدفع الخيارات النضالية إلى النمو والتغيير من خلال تغيير وتطوير الأجزاء الأساسية  من خلال تنوعها وديمومتها   بما ينفي عنها  صفة التماثيل والسكون التي كانت سائدة ، ويجعلها ديناميكية متغيرة فاعلة وقوية . ويجعل المواطنين اكثر ثقة بقدرتهم على التغيير ، واكثر وعيا وايمانا بضرورة العمل على إنهاء الإحتلال
وعلينا أيضا التفكير بآلية استخدام المصادر المتوفرة لتحويلها الى وسائل نضالية ، ومن المهم أيضا استحضار التجربة النرويجية ضد النظام الفاشي ،حيث استطاعت حركات التحرر النضالية من المزج ما بين الوسائل العنيفة والوسائل الغير عنيفة ،وتطويع كافة الوسائل لخدمة مشروع التحرر.
هذه الإستراتيجية لايمكن أن تبنى دون مخاطبة لحيثيات الوضع الفلسطيني الراهن، ودون إنهاء الإنقسام ، وتقييم الخيارات والبدائل الممكنة ،وإعادة تفعيل منظمة التحرير ، واعادة بناء الثقة والشراكة مع المواطن الفلسطيني  وذلك لتقديم البديل الموضوعي والعملي الممكن تحقيقة ، وليس تعديل القديم .وصولا الى نقطة "التحرك الجماعي "ويجب ان ندرك ان كل جهد تنظيمي وسياسي لقوى واحزاب النضال الوطني ينبغي ان يكون هدفه هو تحريك اكبر عدد ممكن من وسائل النضال ، وضمان إستمرارية وديمومة   "للتحرك الجماعي" وان تخرج هذه الادوات من عباءة وطنية نظيفة ولا تاتي من خارجها ، وان تطاوع هذه الادوات السياق الفلسطيني وان تتماشى مع قيمه ومعتقداته دون استيرادها من الخارج  او  استخدامها كما هي .